فصل: فصلٌ: (من خَافَ إنْ صَامَ ازْدَادَ مَرَضُهُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ: (من خَافَ إنْ صَامَ ازْدَادَ مَرَضُهُ):

(وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا فِي رَمَضَانَ فَخَافَ إنْ صَامَ ازْدَادَ مَرَضُهُ أَفْطَرَ وَقَضَى).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُفْطِرُ، هُوَ يَعْتَبِرُ خَوْفَ الْهَلَاكِ أَوْ فَوَاتَ الْعُضْوِ كَمَا يَعْتَبِرُ فِي التَّيَمُّمِ.
وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَامْتِدَادَهُ قَدْ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ فَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ.
(وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا لَا يَسْتَضِرُّ بِالصَّوْمِ فَصَوْمُهُ أَفْضَلُ، وَإِنْ أَفْطَرَ جَازَ) لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ، فَجُعِلَ نَفْسُهُ عُذْرًا، بِخِلَافِ الْمَرَضِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَخِفُّ بِالصَّوْمِ، فَشُرِطَ كَوْنُهُ مُفْضِيًا إلَى الْحَرَجِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَيْسَ مِنْ الْبَرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ».
وَلَنَا أَنَّ رَمَضَانَ أَفْضَلُ الْوَقْتَيْنِ، فَكَانَ الْأَدَاءُ فِيهِ أَوْلَى، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْجَهْدِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ».
قُلْت: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا، وَرَجُلٌ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبَرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ»، انْتَهَى.
وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي لَفْظٍ: «وَعَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ» انْتَهَى.
وَرُوِيَ: «لَيْسَ مِنْ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ» وَهِيَ لُغَةُ بَعْضِ الْعَرَبِ، رَوَاهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَذَكَرَهُ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ لِمَنْ لَا يَسْتَضِرُّ بِالصَّوْمِ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَصِحُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَلَا حُكِيَ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَهَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَرَدَتْ فِي صِيَامِ مَنْ اسْتَضَرَّ بِالصَّوْمِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ لِأَحْمَدَ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ: «أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ فِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ»، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ حَدِيثُ «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ»، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَهُ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، قَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» وَهَذَا أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ اسْتَضَرَّ، بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ فِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ فِيهِ أَيْضًا، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي، وَفِيهِ: وَكَانَ أَمَرَهُمْ بِالْفِطْرِ، فَلَمْ يَقْبَلُوا، وَأَمَّا حَدِيثُ: «الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ»، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى التَّيْمِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَائِمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى الْمَدَنِيِّ ثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ أَسْنَدَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَتَابَعَهُ يُونُسُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَغَيْرُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَوْ ثَبَتَ مَرْفُوعًا لَكَانَ خُرُوجُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ خَرَجَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، ثُمَّ أَفْطَرَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالْفِطْرِ دَلِيلًا عَلَى نَسْخِ هَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ، وَالْآخِرُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، ثُمَّ أَفْطَرَهُ»، وَكَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّبِعُونَ الْأَحْدَثَ فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ، زَادَ مُسْلِمٌ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: «فَصَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لِثْلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: «فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ»، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى الْمَدَنِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى التَّيْمِيُّ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ الْقُرَشِيُّ، يَرْوِي عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَرْفَعُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرُ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ، وَعُقَيْلٌ مِنْ رِوَايَةِ سَلَامَةَ بْنِ رَوْحٍ عَنْهُ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ مَبْرُورٍ عَنْهُ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى التَّيْمِيِّ عَنْهُ، وَالْبَاقُونَ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، رَوَوْهُ عَنْهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ مِنْ قَوْلِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الصَّحِيحُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا. انْتَهَى.
قُلْت: وَفِي سَمَاعِ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أَبِيهِ نَظَرٌ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْقَطَّانِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ سَمَاعِهِ مِنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الصَّوْمِ عَنْ النَّضْرِ بْنِ شَيْبَانُ، قَالَ: قُلْت لِأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: حَدِّثْنِي عَنْ شَيْءٍ سَمِعْته مِنْ أَبِيك، سَمِعَهُ أَبُوك مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنَ أَبِيك وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، قَالَ نَعَمْ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَفَضَّلَهُ عَلَى الشُّهُورِ، وَقَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»، انْتَهَى.
قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا غَلَطٌ، وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَحْوَهُ، وَهَكَذَا نَقَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصَحُّ، لَمَّا سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْبُخَارِيُّ لِلِانْقِطَاعِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَلَوْلَا ضَعْفُ النَّضْرِ بْنِ شَيْبَانُ الْحَرَّانِيِّ وَكَانَ ثِقَةً لَثَبَتَ سَمَاعُ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أَبِيهِ، فَجُمْلَةُ أَحَادِيثَ يَرْوِيهَا عَنْهُ مُعَنْعَنَةٌ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ، قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، انْتَهَى.
(وَإِذَا مَاتَ الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ وَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا الْقَضَاءُ) لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (وَلَوْ صَحَّ الْمَرِيضُ وَأَقَامَ الْمُسَافِرُ ثُمَّ مَاتَا لَزِمَهُمَا الْقَضَاءُ بِقَدْرِ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ) لِوُجُودِ الْإِدْرَاكِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ، وَفَائِدَتُهُ وُجُوبُ الْوَصِيَّةِ بِالْإِطْعَامِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النَّظَرِ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ فَيَظْهَرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الْخَلَفِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ السَّبَبُ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَ.
(وَقَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَهُ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ الْمُتَابَعَةُ مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ (وَإِنْ أَخَّرَهُ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ صَامَ الثَّانِي) لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ (وَقَضَى الْأَوَّلَ بَعْدَهُ) لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ (وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى التَّرَاخِي، حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ.
(وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا) دَفْعًا لِلْحَرَجِ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُ إفْطَارٌ بِعُذْرٍ (وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ، هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي، وَلَنَا أَنَّ الْفِدْيَةَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي، وَالْفِطْرُ بِسَبَبِ الْوَلَدِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَالْوَلَدُ لَا وُجُوبَ عَلَيْهِ أَصْلًا.
(وَالشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ يُفْطِرُ، وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكَيْنَا، كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَاتِ).
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يُطِيقُونَهُ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ يَبْطُلُ حُكْمُ الْفِدَاءِ، لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلَفِيَّةِ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ.
(وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَأَوْصَى بِهِ أَطْعَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ) لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، فَصَارَ كَالشَّيْخِ الْفَانِي، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْإِيصَاءِ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعَلَى هَذَا الزَّكَاةُ، هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِدُيُونِ الْعِبَادِ، إذْ كُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ مَالِيٌّ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ.
وَلَنَا أَنَّهُ عِبَادَةٌ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاخْتِيَارِ، وَذَلِكَ فِي الْإِيصَاءِ دُونَ الْوِرَاثَةِ لِأَنَّهَا جَبْرِيَّةٌ، ثُمَّ هُوَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً حَتَّى يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَالصَّلَاةُ كَالصَّوْمِ بِاسْتِحْسَانِ الْمَشَايِخِ، وَكُلُّ صَلَاةٍ تُعْتَبَرُ بِصَوْمِ يَوْمٍ، هُوَ الصَّحِيحُ (وَلَا يَصُومُ عَنْهُ الْوَلِيُّ وَلَا يُصَلِّي) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ».
الشرح:
الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَصُومُ أَحَدُكُمْ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ».
قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعٌ، وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى فِي الصَّوْمِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثَنَا حَجَّاجٌ الْأَحْوَلُ ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ»، انْتَهَى.
وَلَمْ يُخْرِجْهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي أَطْرَافِهِ.
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَكِنْ إنْ كُنْتَ فَاعِلًا تَصَدَّقْتَ عَنْهُ، أَوْ أَهْدَيْتَ»، انْتَهَى.
وَفِي الْإِمَامِ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ فِي كِتَابِهِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَحُجَّنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَوْ كُنْتُ أَنَا لَتَصَدَّقْتُ، وَأَعْتَقْتُ، وَأَهْدَيْتُ»، انْتَهَى.
وَهُوَ فِي الْمُوَطَّإِ بَلَاغٌ قَالَ ابْنُ مُصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ أَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِالْمَدِينَةِ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَمَرَ أَحَدًا يَصُومُ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُصَلِّي عَنْ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ كُلُّ أَحَدٍ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَعْمَلُهُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ: يُطْعَمُ عَنْهُ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، انْتَهَى.
وَضَعَّفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ بِأَشْعَثَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: الْمَحْفُوظُ مَوْقُوفٌ، هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ بُخْتٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي لَيْلَى كَثِيرُ الْوَهَمِ، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ نَافِعٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
قَوْلُهُ: ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ رَمَضَانَ، فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى بِهِ مَرْفُوعًا، قَالَ فِي الَّذِي يَمُوتُ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ، وَلَمْ يَقْضِهِ: «يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ»، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: رَفْعُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ، وَالثَّانِي: قَوْلُهُ فِيهِ: نِصْفُ صَاعٍ، وَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ يُشْكِلُ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: هَذَا فِي النَّذْرِ، قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَتْ: إنَّ أُمِّيَّ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، فَقَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ، أَكُنْتِ قَاضِيَةً عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ»، أَخْرَجَاهُ أَيْضًا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّذْرِ أَيْضًا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي لَفْظٍ لَهُمَا عَنْهُ، قَالَ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، فَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ، أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَصَوْمِي عَنْ أُمِّك»، انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: حَمَلَ أَصْحَابُنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ عَلَى صَوْمِ النَّذْرِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يُطْعَمُ عَنْهُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَلَا يُصَامُ، قَالَ: وَذَلِكَ لِأَنَّ النِّيَابَةَ تَجْرِي فِي الْعِبَادَةِ بِحَسَبِ خِفَّتِهَا، وَالنَّذْرُ أَخَفُّ حُكْمًا، لِكَوْنِهِ لَمْ يَجِبْ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ النَّاذِرُ عَلَى نَفْسِهِ. انْتَهَى.
قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي النَّذْرِ وَالْأَيْمَانِ مُصَرَّحًا فِيهِ بِالنَّذْرِ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتْ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ إنْ اللَّهُ نَجَّاهَا أَنْ تَصُومَ شَهْرًا، فَنَجَّاهَا اللَّهُ، فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ، فَجَاءَتْ بِنْتُهَا، أَوْ أُخْتُهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَصُومَ عَنْهَا»، انْتَهَى.
(وَمَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَوْ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ) (قَضَاهُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لَهُ أَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالْمُؤَدَّى، فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ.
وَلَنَا أَنَّ الْمُؤَدَّى قُرْبَةٌ وَعَمَلٌ، فَتَجِبُ صِيَانَتُهُ بِالْمُضِيِّ عَنْ الْإِبْطَالِ، وَإِذَا وَجَبَ الْمُضِيُّ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِتَرْكِهِ، ثُمَّ عِنْدَنَا لَا يُبَاحُ الْإِفْطَارُ فِيهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا، وَيُبَاحُ بِعُذْرٍ، وَالضِّيَافَةُ عُذْرٌ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْطِرْ وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ».
الشرح:
الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَفْطِرْ وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ».
قُلْت: اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى إبَاحَةِ الْفِطْرِ فِي التَّطَوُّعِ لِعُذْرِ الضِّيَافَةِ، وَهَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «صَنَعَ رَجُلٌ طَعَامًا، وَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخُوك تَكَلَّفَ وَصَنَعَ لَك طَعَامًا، وَدَعَاك، أَفْطِرْ وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ كَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: هَذَا مُرْسَلٌ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيّ ثَنَا عَمْرُو بْنُ خَلِيفَةَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مِرْسَالٍ الْخَثْعَمِيُّ ثَنَا أَبِي ثَنَا عَمِّي إسْمَاعِيلُ بْنُ مِرْسَالٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «صَنَعَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا، فَدَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، فَلَمَّا أُتِيَ بِالطَّعَامِ تَنَحَّى رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا لَكَ؟ قَالَ: إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: تَكَلَّفَ أَخُوك وَصَنَعَ طَعَامًا، ثُمَّ تَقُولُ: إنِّي صَائِمٌ؟ كُلْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ»، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي الصَّوْمِ وَفِي الْأَدَبِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: «آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ لَهُ: كُلْ، فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَ سَلْمَانُ: قُمْ الْآنَ، قَالَ فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إنَّ لِرَبِّك عَلَيْك حَقًّا، وَلِنَفْسِك عَلَيْك حَقًّا، وَلِأَهْلِك عَلَيْك حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: صَدَقَ سَلْمَانُ». انْتَهَى.
وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ مِنْ التَّطَوُّعِ لِعُذْرِ الضِّيَافَةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِذِكْرِ الْقَضَاءِ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّوْمِ بَابُ مَنْ أَقْسَمَ عَلَى أَخِيهِ لِيُفْطِرَ فِي التَّطَوُّعِ، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَضَاءً، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ بَابَ صُنْعِ الطَّعَامِ لِلضَّيْفِ.
أَحَادِيثُ الْفِطْرِ فِي التَّطَوُّعِ:
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْت أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ، فَعَرَضَ طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَدَرَتْنِي إلَيْهِ حَفْصَةُ، وَكَانَتْ ابْنَةَ أَبِيهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا صَائِمَتَيْنِ، فَعَرَضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، قَالَ: اقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ مَكَانَهُ»، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ زُمَيْلٍ عَنْ عُرْوَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَرَوَى صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، مِثْلَ هَذَا، وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَمَعْمَرٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَزِيَادٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ سَعْدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ عُرْوَةَ، وَهَذَا أَصَحُّ، لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ، فَقُلْت لَهُ: أَحَدَّثَك عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ فِي هَذَا شَيْئًا، وَلَكِنْ سَمِعْت فِي خِلَافَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ نَاسٍ عَنْ بَعْضِ مَنْ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، فَذَكَرَهُ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يُعْرَفُ لِزُمَيْلٍ سَمَاعٌ عَنْ عُرْوَةَ، وَلَا لِيَزِيدَ مِنْ زُمَيْلٍ، وَلَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ. انْتَهَى.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَزُمَيْلٌ مَجْهُولٌ، قَالَ: وَلَوْ ثَبَتَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمَا اسْتِحْبَابًا، انْتَهَى.
وَبِسَنَدِ التِّرْمِذِيِّ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أَصْبَحْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ»، الْحَدِيثَ.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ أَصْبَحَتَا صَائِمَتَيْنِ، الْحَدِيثَ.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ، الْحَدِيثَ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ خَصِيفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ كَانَتَا صَائِمَتَيْنِ، الْحَدِيثَ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَصْبَحَتْ عَائِشَةُ، وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَحَمَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسِيطِ، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا حَمَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ.
وَرَوَاهُ أَبُو هَمَّامٍ مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسِيطِ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الْجَمَّالُ، قَالَ: ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَكِّيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «أُهْدِيَتْ لِعَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ هَدِيَّةٌ، وَهُمَا صَائِمَتَانِ، فَأَكَلَتَا مِنْهَا، فَذَكَرَتَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ، وَلَا تَعُودَا»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّهَا صَامَتْ تَطَوُّعًا، فَأَفْطَرَتْ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَصُومَ يَوْمًا مَكَانَهُ»، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ، وَأَعَلَّهُ بِالضَّحَّاكِ بْنِ حَمْزَةَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ «أَنَّهُ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَعَطِشَ عَطَشًا شَدِيدًا، فَأَفْطَرَ، فَسَأَلَ عِدَّةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرُوهُ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا مَكَانَهُ»، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ:
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ: يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَتْ: فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعَ.
قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، وَقَدْ خَبَّأَتْ لَك شَيْئًا، قَالَ: مَا هُوَ: قُلْتُ: حَيْسٌ، قَالَ: هَاتِيهِ، فَجِئْتُهُ بِهِ، فَأَكَلَ، وَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا»
.
قَالَ طَلْحَةُ: هُوَ ابْنُ يَحْيَى، فَحَدَّثْت بِهِ مُجَاهِدًا، فَقَالَ: ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُخْرِجُ الصَّدَقَةَ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، انْتَهَى.
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمًا، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْنَا لَا، قَالَ: فَإِنِّي إذًا صَائِمٌ، ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: أَدْنِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحَتْ صَائِمًا، فَأَكَلَ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ طَلْحَةَ بِهِ، وَقَالَ فِيهِ: فَأَكَلَ، وَقَالَ: أَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ غَيْرُ الْبَاهِلِيِّ، وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى قَوْلِهِ: وَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ، وَلَعَلَّهُ شُبِّهَ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ مَنْ خَالَفَهُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ. انْتَهَى.
وَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَهَمَ مِنْ الرَّاوِي عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو الْبَاهِلِيُّ، وَكَلَامُ النَّسَائِيّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَهَمَ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ نَفْسِهِ.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ طَلْحَةَ بِهِ، بِلَفْظِ النَّسَائِيّ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْت سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ عَامَّةَ مَجَالِسِهِ، لَا يَذْكُرُ فِيهِ: سَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ، ثُمَّ عَرَضْتُهُ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ، فَذَكَرَهُ فِيهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ سُفْيَانَ دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَوَكِيعٌ، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ، وَغَيْرُهُمْ، قَالَ: وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَهُ: سَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ، أَيْ تَطَوُّعًا، وَجَعَلَهُ بِمَثَابَةِ قَضَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، حِينَ شَغَلَهُ عَنْهُمَا الْوَفْدُ، وَجَعَلَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ حَدِيثَ عُمَرَ «لَمَّا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَمَرَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْإِسْلَامِ».
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ حَتَّى إذَا كَانَ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ، وَهُوَ صَائِمٌ رَفَعَ إنَاءً فَشَرِبَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ، وَفِي لَفْظٍ: فَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَصْرِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمَّا كَانَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهِ لِعُذْرِ السَّفَرِ، كَانَ لَهُ إذَا دَخَلَ فِيهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ، كَمَا فَعَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَالتَّطَوُّعُ أَوْلَى، انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ مَرْفُوعًا: «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ، إنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ»، وَفِي سَنَدِهِ اخْتِلَافٌ، وَفِي لَفْظِهِ اخْتِلَافٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ.
(وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي رَمَضَانَ أَمْسَكَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا) قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالتَّشَبُّهِ (وَلَوْ أَفْطَرَا فِيهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِيهِ (وَصَامَا مَا بَعْدَهُ) لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَالْأَهْلِيَّةِ (وَلَمْ يَقْضِيَا يَوْمَهُمَا وَلَا مَا مَضَى) لِعَدَمِ الْخِطَابِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهَا الْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ، فَوُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ، وَفِي الصَّوْمِ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ وَالْأَهْلِيَّةُ مُنْعَدِمَةٌ عِنْدَهُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا زَالَ الْكُفْرُ أَوْ الصِّبَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، لِأَنَّهُ أَدْرَكَ وَقْتَ النِّيَّةِ.
وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ وُجُوبًا، وَأَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ مُنْعَدِمَةٌ فِي أَوَّلِهِ، إلَّا أَنَّ لِلصَّبِيِّ أَنْ يَنْوِيَ التَّطَوُّعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ دُونَ الْكَافِرِ، عَلَى مَا قَالُوا، لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّطَوُّعِ أَيْضًا، وَالصَّبِيُّ أَهْلٌ لَهُ.
(وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ، ثُمَّ قَدِمَ الْمِصْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَنَوَى الصَّوْمَ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ وَلَا صِحَّةَ الشُّرُوعِ (وَإِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ) لِزَوَالِ الْمُرَخِّصِ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقِيمًا فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ ثُمَّ سَافَرَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْإِقَامَةِ، فَهَذَا أَوْلَى، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَفْطَرَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِقِيَامِ شُبْهَةِ الْمُبِيحِ.
(وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ لَمْ يَقْضِ الْيَوْمَ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الْإِغْمَاءُ) لِوُجُودِ الصَّوْمِ فِيهِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ الْمَقْرُونُ بِالنِّيَّةِ، إذْ الظَّاهِرُ وُجُودُهَا مِنْهُ (وَقَضَى مَا بَعْدَهُ) لِانْعِدَامِ النِّيَّةِ (وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْهُ قَضَاهُ كُلَّهُ غَيْرَ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ) لِمَا قُلْنَا، وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَقْضِي مَا بَعْدَهُ، لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ عِنْدَهُ يَتَأَدَّى بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ بِمَنْزِلَةِ الِاعْتِكَافِ، وَعِنْدَنَا لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ، لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ مُتَفَرِّقَةٌ، لِأَنَّهُ يَتَخَلَّلُ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ مَا لَيْسَ بِزَمَانٍ لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ، بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ (وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ قَضَاهُ) لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ يُضْعِفُ الْقُوَى، وَلَا يُزِيلُ الْحِجَا، فَيَصِيرُ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ لَا فِي الْإِسْقَاطِ (وَمَنْ جُنَّ فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ لَمْ يَقْضِهِ) خِلَافًا لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْإِغْمَاءِ.
وَلَنَا أَنَّ الْمُسْقِطَ هُوَ الْحَرَجُ، وَالْإِغْمَاءُ لَا يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ عَادَةً فَلَا حَرَجَ، وَالْجُنُونُ يَسْتَوْعِبُهُ فَيَتَحَقَّقُ الْحَرَجُ.
(وَإِنْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي بَعْضِهِ قَضَى مَا مَضَى) خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، هُمَا يَقُولَانِ: لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ، وَالْقَضَاءُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ وَصَارَ كَالْمُسْتَوْعَبِ.
وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الشَّهْرُ، وَالْأَهْلِيَّةُ بِالذِّمَّةِ، وَفِي الْوُجُوبِ فَائِدَةٌ وَهُوَ صَيْرُورَتُهُ مَطْلُوبًا عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْرَجُ فِي أَدَائِهِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَوْعَبِ لِأَنَّهُ يَحْرَجُ فِي الْأَدَاءِ فَلَا فَائِدَةَ، وَتَمَامُهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ، ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِ، قِيلَ: هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا الْتَحَقَ بِالصَّبِيِّ فَانْعَدَمَ الْخِطَابُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ، وَهَذَا مُخْتَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
(وَمَنْ لَمْ يَنْوِ فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ لَا صَوْمًا وَلَا فِطْرًا فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ).
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَتَأَدَّى صَوْمُ رَمَضَانَ بِدُونِ النِّيَّةِ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ، لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ يُؤَدِّيه يَقَعُ عَنْهُ، كَمَا إذَا وَهَبَ كُلَّ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ.
وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ الْإِمْسَاكُ بِجِهَةِ الْعِبَادَةِ، وَلَا عِبَادَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَفِي هِبَةِ النِّصَابِ وُجِدَ نِيَّةُ الْقُرْبَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ.
(وَمَنْ أَصْبَحَ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ فَأَكَلَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِغَيْرِ النِّيَّةِ عِنْدَهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إذَا أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّهُ فَوَّتَ إمْكَانَ التَّحْصِيلِ، فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَعَلَّقَتْ بِالْإِفْسَادِ، وَهَذَا امْتِنَاعٌ إذْ لَا صَوْمَ إلَّا بِالنِّيَّةِ.
(وَإِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ نَفَسَتْ أَفْطَرَتْ وَقَضَتْ) بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهَا تَحْرَجُ فِي قَضَائِهَا، وَقَدْ مَرَّ فِي الصَّلَاةِ.
(وَإِذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ أَمْسَكَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَنْ صَارَ أَهْلًا لِلُّزُومِ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ، هُوَ يَقُولُ: التَّشَبُّهُ خَلَفٌ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ يَتَحَقَّقُ الْأَصْلُ فِي حَقِّهِ كَالْمُفْطِرِ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُخْطِئًا.
وَلَنَا أَنَّهُ وَجَبَ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ لَا خَلَفًا لِأَنَّهُ وَقْتٌ مُعَظَّمٌ، بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ حَالَ قِيَامِ هَذِهِ الْأَعْذَارِ لِتَحَقُّقِ الْمَانِعِ عَنْ التَّشْبِيهِ حَسَبَ تَحَقُّقِهِ عَنْ الصَّوْمِ.
قَالَ: (وَإِذَا تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا هُوَ قَدْ طَلَعَ، أَوْ أَفْطَرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا هِيَ لَمْ تَغْرُبْ أَمْسَكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ) قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ أَوْ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ (وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ كَمَا فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَاصِرَةٌ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَفِيهِ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ قَضَاءُ يَوْمٍ عَلَيْنَا يَسِيرٌ، وَالْمُرَادُ بِالْفَجْرِ الْفَجْرُ الثَّانِي، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الصَّلَاةِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: عَنْ عُمَرَ، قَالَ: مَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ قَضَاءُ يَوْمٍ عَلَيْنَا يَسِيرٌ.
قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: أُخْرِجَتْ عِسَاسٌ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ، وَعَلَى السَّمَاءِ سَحَابٌ، فَظَنُّوا أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ، فَأَفْطَرُوا، وَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ تَجَلَّى السَّحَابُ، فَإِذَا الشَّمْسُ طَالِعَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَجَانَفْنَا مِنْ إثْمٍ، انْتَهَى.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ، وَقُرِّبَ إلَيْهِ شَرَابٌ، فَشَرِبَ بَعْضُ الْقَوْمِ، وَهُمْ يَرَوْنَ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ، ثُمَّ ارْتَقَى الْمُؤَذِّنُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاَللَّهِ إنَّ الشَّمْسَ طَالِعَةٌ لَمْ تَغْرُبْ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ كَانَ أَفْطَرَ فَلْيَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَفْطَرَ فَلْيُتِمَّ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ»، انْتَهَى.
وَأَعَادَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، وَزَادَ فِيهِ: فَقَالَ لَهُ: إنَّمَا بَعَثْنَاك دَاعِيًا، وَلَمْ نَبْعَثْك رَاعِيًا، وَقَدْ اجْتَهَدْنَا، وَقَضَاءُ يَوْمٍ يَسِيرٌ، انْتَهَى.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخَبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: أَفْطَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَصْحَابُهُ فِي يَوْمِ غَيْمٍ ظَنُّوا أَنَّ الشَّمْسَ غَابَتْ، قَالَ: فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَعَرَّضْنَا بِجَنَفٍ، نُتِمُّ هَذَا الْيَوْمَ، ثُمَّ نَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: «أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، قِيلَ لِهِشَامٍ: فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ؟ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْت هِشَامًا، قَالَ: لَا أَدْرِي، أَقَضَوْا أَمْ لَا»، انْتَهَى.
(ثُمَّ التَّسَحُّرُ مُسْتَحَبٌّ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» (وَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ، وَالسِّوَاكُ» (إلَّا أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي الْفَجْرِ) وَمَعْنَاهُ تَسَاوِي الظَّنَّيْنِ (الْأَفْضَلُ أَنْ يَدَعَ الْأَكْلَ) تَحَرُّزًا عَنْ الْمُحَرَّمِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ.
(وَلَوْ أَكَلَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ) لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ اللَّيْلُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَسْتَبِينُ الْفَجْرُ أَوْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً أَوْ مُتَغَيِّمَةً أَوْ كَانَ بِبَصَرِهِ عِلَّةٌ وَهُوَ يَشُكُّ لَا يَأْكُلُ، وَلَوْ أَكَلَ فَقَدْ أَسَاءَ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ أَكَلَ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عَمَلًا بِغَالِبِ الرَّأْيِ، وَفِيهِ الِاحْتِيَاطُ، وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ إلَّا بِمِثْلِهِ (وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّ الْفَجْرَ طَالِعٌ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَصْلِ، فَلَا تَتَحَقَّقُ الْعَمْدِيَّةُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَالسِّوَاكُ».
قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ الْعَبَّادَانِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَوَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي الصَّلَاةِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مَوْقُوفًا وَذَكَرَ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَادِ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا، بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: «تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ.
قُلْت: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: خَمْسِينَ آيَةً»
، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «كُنْت أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي، ثُمَّ يَكُونُ سُرْعَةٌ بِي أَنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، انْتَهَى.
حَدِيثُ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بِالشَّامِ، قَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْنَا الْهِلَالَ يَعْنِي لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَنْ الْهِلَالِ، فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْته؟ قُلْت: نَعَمْ، رَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ، أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْت: أَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، انْتَهَى.
وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَعْرِفَةِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِانْفِرَادِ كُرَيْبٌ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَجَعَلَ طَرِيقَهُ طَرِيقَ الشَّهَادَاتِ، فَلَمْ يَقْبَلْ فِيهِ قَوْلَ الْوَاحِدِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمَلُوا الْعِدَّةَ»، وَيَكُونَ ذَلِكَ قَوْلَهُ، لَا فَتْوَى مِنْ جِهَتِهِ، أَخْذًا بِهَذَا الْخَبَرِ. انْتَهَى.
وَأَجَابَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، فَقَالَ: إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يُفْطِرُونَ بِقَوْلِ كُرَيْبٌ وَحْدَهُ، وَبِهِ نَقُولُ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ وُجُوبُ قَضَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ جَوَابُ الْأَوَّلِ لِلْبَيْهَقِيِّ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَذْهَبِهِمَا فِي عَدَمِ قَبُولِ الْوَاحِدِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك».
قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الطِّبِّ، وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ، قَالَ: قُلْت لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْهُ «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك»، زَادَ التِّرْمِذِيُّ: «فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَالْكَذِبُ رِيبَةٌ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهُ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ ثَنَا عَمِّي إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْمَكِّيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، فَدَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ وَهُوَ مُجَلَّدٌ وَسَطٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِهِ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، وَرِوَايَةُ أَبِي حَاتِمٍ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ قَالَ: عُبَيْدُ اللَّهِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
(وَلَوْ شَكَّ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النَّهَارُ (وَلَوْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّ النَّهَارَ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَوْ كَانَ شَاكًّا فِيهِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ نَظَرًا إلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ النَّهَارُ.
(وَمَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ) لِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ اسْتَنَدَ إلَى الْقِيَاسِ فَتَتَحَقَّقَ الشُّبْهَةُ، وَإِنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَعَلِمَهُ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا تَجِبُ، وَكَذَا عَنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا اشْتِبَاهَ فَلَا شُبْهَةَ، وَجْهُ الْأَوَّلِ قِيَامُ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ بِالنَّظَرِ إلَى الْقِيَاسِ، فَلَا يَنْتَفِي بِالْعِلْمِ كَوَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَمَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا، فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ، فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَعَلِمَهُ، فَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: «أَتِمَّ عَلَى صَوْمِك، فَإِنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك»، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ.
(وَلَوْ احْتَجَمَ وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ ثُمَّ أَكَلَ مُتَعَمِّدًا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ) لِأَنَّ الظَّنَّ مَا اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَإِلَّا إذَا أَفْتَاهُ فَقِيهٌ بِالْفَسَادِ، لِأَنَّ الْفَتْوَى دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ فِي حَقِّهِ، وَلَوْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ فَاعْتَمَدَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَنْزِلُ عَنْ قَوْلِ الْمُفْتِي.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافُ ذَلِكَ، لِأَنَّ عَلَى الْعَامِّيِّ الِاقْتِدَاءَ بِالْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ فِي حَقِّهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحَادِيثِ، وَإِنْ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ، وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَلَوْ بَلَغَهُ، الْحَدِيثَ، يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، وَلَهُ طُرُقٌ: حَدِيثُ ثَوْبَانَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ يَحْتَجِمُ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ.
وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَذَكَرَ النَّسَائِيُّ الِاخْتِلَافَ فِي طُرُقِهِ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَغَيْرُهُمَا، وَنَقَلَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي الْبَابِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى ثَوْبَانَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى: قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، فَذَكَرْت لَهُ الِاضْطِرَابَ، فَقَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيحٌ، فَإِنَّ أَبَا قِلَابَةَ رَوَى الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا: رَوَاهُ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ.
وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَكَذَلِكَ ذَكَرُوا عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ ثَوْبَانَ، وَحَدِيثُ شَدَّادٍ صَحِيحَانِ، انْتَهَى.
حَدِيثُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ «أَنَّهُ مَرَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْفَتْحِ عَلَى رَجُلٍ يَحْتَجِمُ بِالْبَقِيعِ، لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ الصِّحَّةِ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَاسْتَقْصَى النَّسَائِيُّ طُرُقَهُ وَالِاخْتِلَافَ فِيهِ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدِيثَ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ»، وَنَقَلَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ ابْنِ رَاهْوَيْهِ، أَنَّهُ قَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَنَقَلَ عَنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ: وَالْمُسْتَحْجِمُ.
حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَ مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ: وَذَكَرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَعْلَمُ فِي الْبَابِ أَصَحَّ مِنْهُ، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، فَإِنَّ ابْنَ قَارِظٍ انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: تَفَرَّدَ بِهِ مَعْمَرٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، فَلَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ مَعْمَرٌ إذًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي بَاطِلٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: هُوَ غَلَطٌ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هُوَ أَضْعَفُهَا انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ.
حَدِيثُ أَبِي مُوسَى: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي مُوسَى، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَسْنَدَ إلَى ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: صَحِيحٌ، انْتَهَى.
قَالَ النَّسَائِيُّ: رَفْعُهُ خَطَأٌ وَقَدْ وَقَفَهُ حَفْصٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ حَفْصٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدِيثُ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي مُوسَى خَطَأٌ، لَمْ يَرْفَعْهُ أَحَدٌ، إنَّمَا هُوَ بَكْرٌ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ.
حَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: مِنْهُمْ الْحَسَنُ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: «مَرَّ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَحْتَجِمُ فِي ثَمَانَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، انْتَهَى.
ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ بِهِ، وَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ: ثُمَّ قَالَ: وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ كَانَ قَدْ اخْتَلَطَ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ غَيْرَ هَذَيْنِ، عَلَى اخْتِلَافِهِمَا عَلَيْهِ فِيهِ، انْتَهَى.
وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، فَإِنَّ أَحْمَدَ رَوَاهُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ زُرَيْقٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ بِهِ، سَوَاءً، وَفِي كِتَابِ الْعِلَلِ لِلتِّرْمِذِيِّ، قُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ: حَدِيثُ الْحَسَنِ عَن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَصَحُّ أَوْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ؟ فَقَالَ: مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أَصَحُّ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيِّ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُسَامَةَ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ التَّيْمِيُّ، فَأَثْبَتَ رِوَايَتَهُمْ جَمِيعًا، وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَامَّةِ هَؤُلَاءِ، وَلَا لَقِيَهُ عِنْدَنَا مِنْهُمْ ثَوْبَانُ، وَمَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ، وَأُسَامَةُ، وَعَلِيٌّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، انْتَهَى.
حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُ تَابَعَ أَشْعَثَ عَلَى رِوَايَتِهِ أَحَدٌ.
حَدِيثُ بِلَالٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْعَلَاءِ أَيُّوبَ بْنِ مِسْكِينٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ أَبِي مِسْكِينٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ بِلَالٍ مَرْفُوعًا، كَمَا تَقَدَّمَ.
ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُ هَمَّامٌ، فَرَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرٍ عَنْ ثَوْبَانَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُمَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، فَرَوَاهُ عَنْ شَهْرٍ، فَأَدْخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَوْبَانَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غَنْمٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُمْ بُكَيْر بْنُ أَبِي السُّمَيْطِ، فَرَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ مِقْدَادِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ثَوْبَانَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُمْ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، فَرَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ثَوْبَانَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: مَا عَلِمْت أَحَدًا تَابَعَ اللَّيْثَ، وَلَا بُكَيْر بْنَ أَبِي السُّمَيْطِ عَلَى رِوَايَتِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ: إنَّ بِلَالًا مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ شَهْرٌ. انْتَهَى.
حَدِيثُ عَلِيٍّ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَفَهُ أَبُو الْعَلَاءِ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي ذُرَيْعٍ عَنْ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مَطَرٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ، فَوَقَفَهُ عَلَى عَلِيٍّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ: جَمِيعُ مَا يَرْوِيهِ الْحَسَنُ عَنْ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ، وَإِنَّمَا يُرْوِي عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ.
حَدِيثُ عَائِشَةَ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَلَيْثٌ هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ شَيْبَانُ عَنْهُ مَرْفُوعًا، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْهُ فَوَقَفَهُ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ كَذَلِكَ أَيْضًا.
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَقَفَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ خَلَّادٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: يُقَالُ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، وَأَمَّا أَنَا فَلَوْ احْتَجَمْت مَا بَالَيْت أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ ذَلِكَ، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَرَوَاهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، وَدَاوُد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: وَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَعَطَاءٌ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، قَالَ: وَخَالَفَهُ ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ، فَرَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، قَالَ: وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ حَجَّاجٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، لِمُتَابَعَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَحَادِيثَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى فِيهِ أَحَدٌ إلَّا أَكَلَ الرِّبَا، فَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ أَصَابَهُ مِنْ غُبَارِهِ»، اخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنْ صَحَّ سَمَاعُهُ، فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَوَافَقَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ جَامِعِهِ فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ قَرَأَ حم الدُّخَانَ فِي لَيْلَةِ جُمُعَةٍ غُفِرَ لَهُ»: الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى.
مَعَ أَنِّي وَجَدْت هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَبُو حُرَّةَ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِمَا فِيهِ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْهُ بِهِ مَرْفُوعًا، وَخَالَفَهُ بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، وَأَبُو قَطَنٍ، فَرَوَيَاهُ عَنْهُ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ بِهِ مَرْفُوعًا، وَخَالَفَهُ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، فَرَوَاهُ عَنْ يُونُسَ مِنْ قَوْلِ الْحَسَنِ، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَبِيصَةَ ثَنَا فِطْرٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَالْمُسْتَحْجِمُ، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ فَأَرْسَلَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ ثَنَا فِطْرٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ قَبِيصَةَ بِهِ مُسْنَدًا، وَقَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ قَبِيصَةَ، وَرَوَاهُ مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ عَنْ قَبِيصَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ فِي كِتَابِهِ عَنْ فِطْرٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُرْسَلًا، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ، وَذِكْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ وَهَمٌ، انْتَهَى.
قَالَ النَّسَائِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِالْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بِالْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا، انْتَهَى.
حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ.
حَدِيثُ أَنَسٍ: فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْهُ.
حَدِيثُ جَابِرٍ: فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ سَلَّامٍ أَبِي الْمُنْذِرِ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ مَطَرٍ إلَّا سَلَّامٍ أَبُو الْمُنْذِرِ، انْتَهَى.
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، انْتَهَى.
وَأَعَلَّهُ بِالْحَسَنِ هَذَا، وَجَعَلَهُ مِنْ مُنْكَرَاتِهِ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُهُ يَرْوِيهِ كَذَلِكَ غَيْرُهُ، وَهُوَ عِنْدِي مِمَّنْ لَا يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ، وَلَكِنَّهُ يَهِمُ وَيَغْلَطُ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ كَذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ.
حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ مِنْ أَحَادِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ وَهُوَ جُزْءٌ لَطِيفٌ، جُمْلَتُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَرَقَةً: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ بِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ زُرَارَةَ الرَّقِّيِّ ثَنَا دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ الْحُصَيْبِ عَنْ مُصْعَبٍ بِهِ.
حَدِيثُ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَأَعَلَّهُ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ: بِدَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ، وَضَعَّفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَعِينٍ قَالَ: وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُمْ.
حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنِ مُوسَى بَصْرِيٌّ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَطَاءٍ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى رَجُلَيْنِ يَحْجِمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَاغْتَابَ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْآخَرُ، فَقَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا لِلْحِجَامَةِ، وَلَكِنْ لِلْغِيبَةِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُقْتَصِرًا عَلَى: «احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ»، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. انْتَهَى.
قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رُوِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: «احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ». وَالثَّانِي: «احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ».
وَالثَّالِثُ: «احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ».
وَالرَّابِعُ: «احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ»، وَهَذَا الرَّابِعُ انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، فَأَمَّا احْتِجَامُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَمُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَمَّا احْتِجَامُهُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَغَيْرُهُمَا، قَالَ: سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ، فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ: صَائِمٌ، إنَّمَا هُوَ مُحْرِمٌ.
قُلْت: مَنْ ذَكَرَهُ؟ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ»، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ رَوْحٌ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ خُثَيْمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ قَالَ أَحْمَدُ: فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَذْكُرُونَ صِيَامًا، وَقَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعْ الْحَكَمُ حَدِيثَ مِقْسَمٍ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا احْتَجَمَ صَائِمًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا إلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ، قَالَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ الْمُزَكَّى يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ وَهُوَ إمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي عَصْرِهِ يَقُولُ: ثَبَتَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفْنَا بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ، وَلَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا إلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَالْمُسَافِرُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ. انْتَهَى.
وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ رُبَّمَا يَدْفَعُ هَذَا التَّأْوِيلَ، لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ، فَقَالَ: احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيُنْظَرْ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ ثَوْبَانَ: وَحَدِيثُ شَدَّادٍ، وَحَدِيثُ رَافِعٍ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ» لَا يُعَارِضُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا إلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَالْمُسَافِرُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ، وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ مَعَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَضَعَ الْمَحَاجِمَ مَعَ إفْطَارِ الصَّائِمِ، فَحَجَمَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَقَالَ: كَمْ خَرَاجُك؟ قَالَ: صَاعَانِ، فَوَضَعَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْهُ صَاعًا»، انْتَهَى.
وَكَأَنَّ ابْنَ حِبَّانَ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا احْتَجَمَ وَقْتَ الْإِفْطَارِ، فَكَانَ مُفْطِرًا بِالْحِجَامَةِ، فَلَا يَنْهَضُ الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا لَا يَصْلُحُ جَوَابًا ثَانِيًا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ غَيْرُ نَاجِحٍ لِمَنْ يَتَأَمَّلُهُ، وَمِنْ الْخُصُومِ مَنْ ادَّعَى نَسْخَ أَحَادِيثِ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَنَقَلَ ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ، فَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَمَاعُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمئِذٍ مُحْرِمًا، وَلَمْ يَصْحَبْهُ مُحْرِمًا قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ حِجَامَةَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَامَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، سَنَةَ عَشْرٍ، وَحَدِيثُ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» فِي الْفَتْحِ، سَنَةَ ثَمَانٍ، قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِسَنَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَا ثَابِتَيْنِ، فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ»، وَقَالَ بَعْضُ مَنْ رَوَى: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ: إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرَّ بِهِمَا، وَهُمَا يَغْتَابَانِ رَجُلًا، وَالْفِطْرُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى سُقُوطِ الْأَجْرِ، كَمَا رَوَى: «مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ»، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» انْتَهَى.
أَيْ سَقَطَ أَجْرُهُ، وَكَمَا رُوِيَ: «أَنَّ رَجُلًا تَكَلَّمَ فِي الْجُمُعَةِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: لَا جُمُعَةَ لَك، فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: صَدَقَ» أَيْ سَقَطَ أَجْرُك بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ. انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخُصُومِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثٍ ثَابِتٍ «أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا، إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: دَالٌّ عَلَى النَّسْخِ، رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «أَوَّلُ مَا كُرِهَتْ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَفْطَرَ هَذَانِ ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ»، وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ، وَهُوَ صَائِمٌ. انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً، انْتَهَى.
قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، لِأَنَّهُ شَاذُّ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ، وَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحًا سَالِمًا مِنْ الشُّذُوذِ، وَالْعِلَّةِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلَا هُوَ فِي الْمُصَنَّفَاتِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَا فِي السُّنَنِ الْمَأْثُورَةِ، وَلَا فِي الْمَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ، وَهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ أَشَدَّ احْتِيَاجٍ، وَلَا نَعْرِفُ أَحَدًا رَوَاهُ فِي الدُّنْيَا إلَّا الدَّارَقُطْنِيّ، رَوَاهُ عَنْ الْبَغَوِيّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ بِهِ، وَكُلُّ مَنْ رَوَاهُ بَعْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ إنَّمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعْرُوفًا لَرَوَاهُ النَّاسُ فِي كُتُبِهِمْ، وَخُصُوصًا الْأُمَّهَاتِ كَمُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَمُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ، وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ إنَّ خَالِدَ بْنَ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيَّ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُثَنَّى، وَإِنْ كَانَا مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِمَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي خَالِدٍ: لَهُ أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، مُفْرِطُ التَّشَيُّعِ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ: كَانَ مُعْلِنًا بِسُوءِ مَذْهَبِهِ، وَمَشَّاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
وَأَمَّا ابْنُ الْمُثَنَّى، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْآجُرِّيُّ: سَأَلْت أَبَا دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الْأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ: لَا أُخَرِّجُ حَدِيثَهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ: رُبَّمَا أَخْطَأَ، وَقَالَ السَّاجِيُّ: فِيهِ ضَعْفٌ، لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ حَدِيثٍ، وَقَالَ الْمَوْصِلِيُّ: رَوَى مَنَاكِيرَ، وَذَكَرَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَى أَكْثَرِ حَدِيثِهِ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ الدَّارِعُ ثَنَا أَبُو دَاوُد سَمِعْت أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، وَكَانَ ضَعِيفًا مُنْكَرَ الْحَدِيثِ.
وَأَصْحَابُ الصَّحِيحِ إذَا رَوَوْا لِمَنْ تُكَلِّمَ فِيهِ، فَإِنَّهُمْ يَدَعُونَ مِنْ حَدِيثِهِ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، وَيَنْتَقُونَ مَا وَافَقَ فِيهِ الثِّقَاتِ، وَقَامَتْ شَوَاهِدُهُ عِنْدَهُمْ، وَأَيْضًا فَقَدْ خَالَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ ثَابِتٍ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، فَرَوَاهُ بِخِلَافِهِ، كَمَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، ثُمَّ لَوْ سُلِّمَ صِحَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُتِلَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَهِيَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَحَدِيثُ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» كَانَ عَامَ الْفَتْحِ، بَعْدَ قَتْلِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ.
حَدِيثٌ آخَرُ دَالٌّ عَلَى النَّسْخِ، رَوَى النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْت حُمَيْدًا الطَّوِيلَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، وَرَخَّصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ»، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْرَقِ عَنْ سُفْيَانَ بِسَنَدِ الطَّبَرَانِيِّ وَمَتْنِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ بِهِ مَوْقُوفًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ، اسْتَدَلَّ بِهِ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ عَلَى نَسْخِ حَدِيثِ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ»، قَالَ: لِأَنَّ ظَاهِرَ الرُّخْصَةِ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ النَّهْيِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ دَاوُد الْوَاسِطِيُّ ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَخَّصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ سُفْيَانَ، إلَّا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى: حَدِيثُ إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ هَذَا خَطَأٌ، إنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.
قَوْلُهُ: وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَهَذَا أَصَحُّ. انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخُصُومِ: «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ».
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
حَدِيثٌ آخَرُ دَالٌّ عَلَى النَّسْخِ، لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لَهُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسِيطِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ الْمَرْوَزِيِّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ ثَنَا أَبِي ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ الْعَسْكَرِيُّ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ احْتَجَمَ بَعْدَمَا قَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ إلَّا أَبُو سُفْيَانَ السَّعْدِيُّ، وَاسْمُهُ: طَرِيفٌ، تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو حَمْزَةَ الْعَسْكَرِيُّ، انْتَهَى.
وَيُنْظَرُ فِي إسْنَادِهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْحَدِيثُ أَعْنِي حَدِيثَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ» رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، وَبِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ كَثِيرَةِ الِاضْطِرَابِ، وَهِيَ إلَى الضَّعْفِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الصِّحَّةِ، مَعَ عَدَمِ سَلَامَتِهِ مِنْ مُعَارِضٍ أَصَحَّ مِنْهُ، أَوْ نَاسِخٍ لَهُ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ، وَيَقُولُ بِهِ لَمْ يَلْتَزِمْ صِحَّتَهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي نُقِلَ عَنْهُ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فِي تَرْجَمَةِ سُلَيْمَانَ الْأَشْدَقِ بِإِسْنَادِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: أَحَادِيثُ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَأَنَا أَذْهَبُ إلَيْهَا، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ صَحِيحٌ لَوَقَفَ عِنْدَهُ، وَقَوْلُهُ: أَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ رَافِعٍ، لَا يَقْتَضِي صِحَّتُهُ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَقَلُّ ضَعْفًا مِنْ غَيْرِهِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَقَدْ ضَعَّفَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ، لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ، قَالَ: وَلَمَّا بَلَغَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ هَذَا الْكَلَامُ، قَالَ: إنَّ هَذَا مُجَازَفَةٌ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: هُوَ ثَابِتٌ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: إنَّهُ مُتَوَاتِرٌ، قَالَ: وَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِبَعِيدٍ، وَمَنْ أَرَادَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْ مُسْنَدَ أَحْمَدَ، وَمُعْجَمَ الطَّبَرَانِيِّ، وَالسُّنَنَ الْكَبِيرَ لِلنَّسَائِيِّ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
(و لَوْ أَكَلَ بَعْدَمَا اغْتَابَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ كَيْفَمَا كَانَ) لِأَنَّ الْفِطْرَ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ، وَالْحَدِيثُ مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ.
قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: «الْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ»، وَوَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كُلُّهَا مَدْخُولَةٌ، فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ قَالَا: ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الرَّبِيعُ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبَانَ الرَّقَاشِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «مَا صَامَ مَنْ ظَلَّ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ»، زَادَ إِسْحَاقُ فِي حَدِيثِهِ: «إذَا اغْتَابَ الصَّائِمُ فَقَدْ أَفْطَرَ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُقْرِي أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ بَكْرٍ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلَيْنِ صَلَّيَا صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَكَانَا صَائِمَيْنِ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الصَّلَاةَ، قَالَ: أَعِيدَا وُضُوءَكُمَا وَصَلَاتَكُمَا، وَامْضِيَا فِي صَوْمِكُمَا، وَاقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ، قَالَا: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: اغْتَبْتُمَا فُلَانًا»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذَبَارِيُّ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ السَّمْحِ ثَنَا غِيَاثُ بْنُ كَلُوبٍ الْكُوفِيُّ ثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى رَجُلَيْنِ بَيْنَ يَدَيْ حَجَّامٍ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، وَهُمَا يَغْتَابَانِ رَجُلًا، فَقَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، انْتَهَى.
قَالَ: غِيَاثٌ مَجْهُولٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنِ مُوسَى وَهُوَ بَصْرِيٌّ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَطَاءٍ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍة عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «مَرَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى رَجُلَيْنِ يَحْجِمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَاغْتَابَ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْآخَرُ، فَقَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا لِلْحِجَامَةِ، وَلَكِنْ لِلْغِيبَةِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ مِنْ حَدِيثِ عَنْبَسَةَ ثَنَا بَقِيَّةُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ جَابَانَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ وَيَنْقُضْنَ الْوُضُوءَ: الْكَذِبُ، وَالنَّمِيمَةُ،وَالْغِيبَةُ، وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ، وَالْيَمِينُ الْكَاذِبُ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: سَعِيدٌ كَذَّابٌ، وَمِنْ سَعِيدٍ إلَى أَنَسٍ كُلُّهُمْ مَطْعُونٌ فِيهِمْ. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ بَقِيَّةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ جَابَانَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ»، فَذَكَرَهُ، فَقَالَ أَبِي: إنَّ هَذَا كَذِبٌ، وَمَيْسَرَةُ كَانَ يَفْتَعِلُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى.
(وَإِذَا جُومِعَتْ النَّائِمَةُ أَوْ الْمَجْنُونَةُ وَهِيَ صَائِمَةٌ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ).
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا اعْتِبَارًا بِالنَّاسِي، وَالْعُذْرُ هُنَا أَبْلَغُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَلَنَا أَنَّ النِّسْيَانَ يَغْلِبُ وُجُودُهُ، وَهَذَا نَادِرٌ، وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِانْعِدَامِ الْجِنَايَةِ.